مقدمة
ليس غريباً أن يكون الإمام علي ، عالماً متمكناً في العلوم الفقهية و اللغوية و أوليات علم الحساب التي تخص عمليات توزيع الإرث و تحصيل الزكاة و حل بعض المسائل الحسابية المتضمنة كسوراً ، و هو الذي تربى في أحضان النبوة و نهل علمه منها ، حيث يقول الرسول الكريم محمد ( صلى الله عليه و آله ) : " أنا مدينة العلم و علي بابها ، فمن أراد العلم فليأت بابه " . و في هذا المقام يقول عباس محمود العقاد : فقلَّ أن سمعنا بعلم من العلوم الإسلامية أو العلوم القديمة لم ينسب إليه ( أي للإمام علي ) ، و قَلّ أن تحدث الناس بفضل لم ينحلوه إياه ، و قلّ أن يوجه الثناء بالعلم إلى أحد من الأوائل إلاّ كانت له مساهمة فيه . و يقول أيضاً : تبقى له ( للإمام علي ) الهداية الأولى في التوحيد الإسلامي و القضاء الإسلامي و الفقه الإسلامي ، و علم النحو العربي و فن الكتابة العربية . مما يجوز لنا أن نسميه أساساً صالحاً لموسوعة المعارف الإسلامية في العصور أو يجوز لنا أن نسميه موسوعة المعارف الإسلامية كلها في الصدر الأول في الإسلام . و تبقى له مع هذا فرائد الحكمة التي تسجل له في ثقافة الأمة الإسلامية على تباين العصور . و هنا نحب أن نشير أنه حتى أبي العلاء المعري يقول عن الإمام علي ( عليه السلام ) :
و على الأفق في دماء الشهيد *** ين علي و نجله شاهدان
فهما في أواخر الزمان فجرا ***ن و في أولياته شفقان
و إضافة إلى ما يمتلكه الإمام علي ( عليه السلام ) من علم و نفاذ بصيرته فإنه ما فتئ يحثّ على طلب العلم و يذكر أهميته فيقول على سبيل المثال : تعلّم العلم فإنه إن كنت غنياً زانك ، و إن كنت فقيراً صانك . ثروة العلم تنجي و تبقي ، و ثروة المال تهلك و تفنى . ثروة العاقل في علمه و ثروة الجاهل في ماله . و يقول أيضاً : كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلاّ وعاء العلم فإنه يتسع به .
و سنحاول في هذه الدراسة أن نبين مآثر الإمام علي ( عليه السلام ) و براعته في علم الحساب من خلال النظر في ثلاثة أعمال هامة له و هي:
نهج البلاغة ، و المسائل الحسابية التي حلها بسرعة و دقة تامة ، و الشعر المنسوب إليه .
أولاً ـ نهج البلاغة :
إن خطب الإمام و رسائله و وصاياه التي وردت في نهج البلاغة تعجّ بمفاهيم حسابية كالأعداد و الكسور و وحدات قياس الطول و تعبيرات رياضية ، و فيما يلي بعضاً منها :
الأعداد :
لقد وردت الأعداد صغيرها و كبيرها كثيراً في نهج البلاغة ، فقد ذكر الإمام علي ( عليه السلام ) على سبيل المثال :
الأول : في وصية له لابنه الحسن فيقول : أي بني ! إني و إن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في أعمالهم ، و فكّرت في أخبارهم ، و سرت في آثارهم ، حتى عدت كأحدهم ، بل كأني بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أولهم إلى آخرهم .
و ذكر الواحد و الاثنين في وصية له ( عليه السلام ) ، وصّى بها جيشا بعثه إلى العدو بقوله : و لتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين ، و اجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ، و مناكب الهضاب ، لئلاّ يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن .
و ذكر الثلاثة و الاثنتين في كلام له في توبيخ أصحابه على التباطؤ على نصرة الحق : ياأهل الكوفة ! منيت بكم بثلاثة و اثنتين : صم ذوو أسماع ، و بكم ذوو كلام ، و عمي ذوو أبصار ، لا أحرار صدق عند اللقاء ، و لا إخوان ثقة عند البلاء ، تربت أيديكم .
و قال ( عليه السلام ) و هو يذكر الرقم أربعة : من أعطي أربعاً لم يحرم أربعا : من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة ، و من أعطي التوبة لم يحرم القبول ، و من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، و من أعطي الشكر لم يحرم الزيادة .
و في الرقم خمسة قال ( عليه السلام ) : أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلا : لا يرجون أحد منكم إلاّ ربه ، و لا يخافن إلاّ ذنبه ، و لا يستحين أحد منكم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول " لا أعلم " ، و لا يستحين أحدا إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه ، و عليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، و لا خير في جسد لا رأس معه ، و لا في إيمان لا صبر معه .
و السبعة ذكرها في كلام له في التبرؤ من الظلم : واللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة ، بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت .
و من العشرات ورد الرقم عشرة في قوله لما عزم على حرب الخوارج : مصارعهم دون النطفة ! واللّه لا يفلت منهم عشرة ، و لا يهلك منكم عشرة .
و قد ورد أيضا ذكر العشرين و الستين في خطبته و هو يحثّ على الجهاد و يذمّ القاعدين : للّه أبوهم !! و هل أحد منهم أشد لها مراسا و أقدم فيها مقاما مني ؟ لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين ، و ها أنا ذا قد ذرفت على الستين ، و لكن لا رأي لمن لا يطاع .
و من المئات ذكر المائة في خطبة له ، يقول : لا تسألوني عن شيء فيما بينكم و بين الساعة ، و لا عن فئة تهدي مائة و تضل مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها و قائدها و سائقها .
و من الاُلوف ذكر الألف بقوله : اللّهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء ! أما واللّه لوددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم .
و ذكر القرن ( و هو مائة عام ) في خطبة الأشباح بقوله : و لم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته ، و يصل بينهم و بين معرفته ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ومتحملي ودائع رسالاته ، قرنا فقرنا ، حتى تمت بنبينا محمد ( صلى الله عليه و آله ) حجته ، و بلغ المقطع عذره و نذره .
الكسور :
و الكسور هنا كالخمس و الثلث و النصف ، الخ . . . فمثلاً جاء ذكر الخمس في قوله : إن القرآن أنزل على النبي ( صلى الله عليه و آله ) و الأموال أربعة : أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض ، و الفئ فقسمه على مستحقيه ، و الخمس فوضعه اللّه حيث وضعه ، و الصدقات فجعلها اللّه حيث جعلها .
و قد ورد ذكر الثلث في كتاب له إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة ، بقوله : و صلوا بهم العشاء حيث يتوارى الشفق إلى ثلث الليل .
و جاء ذكر الكسر تسعة أعشار بقوله : بلادكم أنتن بلاد اللّه أقربها من الماء و أبعدها من السماء ، و بها تسعة أعشار الشر . و النصف جاء في قوله ( عليه السلام ) : الهمّ نصف الهرم .
وحدات قياس الطول :
و تقيس هذه الوحدات الأبعاد الصغيرة ، كالإصبع و الشبر و الباع الخ ، كما تقيس الأبعاد الكبيرة كالفرسخ مثلاً .
فقد ورد الإصبع في جواب له عندما سئل ( عليه السلام ) عما بين الحق و الباطل . فقال : مسافة أربع أصابع . الحق أن تقول : رأيت بعيني ، و الباطل أن تقول : سمعت بأذني . و الشبر جاء ذكره في كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري ، عامله على البصرة ، بقوله : فو اللّه ما كنزت في دنياكم تبرا ، و لا ادخرت من غنائمها وفرا ، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، و لا حزت من أرضها شبرا.
و الشبر كما جاء في لسان العرب هو ما بين أعلى الإبهام و أعلى الخنصر ( إذا فتحتهما ) .
كما ذكر الفرسخ في كتاب له إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة بقوله : و صلّوا بهم العصر و الشمس بيضاء حية في عضو من النهار ، حين يسار فيها فرسخان .
و الفرسخ كلمة فارسية و يقول عنها ابن منظور في لسان العرب : إن الفرسخ : السكون من المسافة المعلومة في الأرض مأخوذ منه . و الفرسخ ثلاثة أميال أو ستة ، سمي بذلك لأن صاحبه إذا مشى قعد و استراح من ذلك كأنه سكن . و هو واحد الفراسخ ، فارسي معرب و الفرسخ ساعة من النهار . و الفرسخ يساوي ثلاثة أميال أو ستة آلاف متر .
تعبيرات متصلة بالرياضيات :
ورد العديد من المصطلحات و التعبيرات تتصل بالرياضيات في خطب الإمام و كلامه . كالطول و العرض و العدد و القسمة و المضاعف و الذرّة و النهاية و الإحصاء و البرهان و الفئة و المسافة و الحساب و غيرها .
و سنذكر بعضاً منها . ففي كلام للإمام يوصي فيه أصحابه ، ذكر فيه تعبيرات مثل : الطول ، أطول ، أعرض ، أعلى ، حيث يقول : و الجبال ذات الطول المنصوبة ، فلا أطول ، و لا أعرض ، و لا أعلى و لا أعظم منها ، و لو امتنع شيء بطول ، أو عرض ، أو قوة أو عز لامتنعن .
و ورد تعبير القسمة في مواضيع كثيرة ، مثلا جاء في خطبة له في صفة خلق بعض الحيوانات : و أنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها و عدّد قسمها ، فبلّ الأرض بعد جفوفها . و أخرج نبتها بعد جدوبها . و هنا تعديد القسم إحصاء ما قدر منها لكل بقعة .
و جاء ذكر المضاعف بأشكال مختلفة كالمضاعفات ، و أضعاف ، و مضاعفة ، و مضاعف الخ . ففي خطبة له بصفّين يقول : و لكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه ، و جعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب ، تفضلاً منه و توسعا بما هو من المزيد أهله . و الذرّة ذكرها في خطبة الأشباح بقوله : و رجع كل كلمة ، و تحريك كل شفة ، و مستقر كل نسمة و مثقال كل ذرّة ، و هماهم كل نفس هامّة . كما ذكر النهاية في خطبة له حول صفة خلق بعض الحيوانات بقوله : و إليها حاكمها ليس بذي كبر امتدت به النهايات فكبرته تجسيما ، و لا بذي عظم تناهت به الغايات فعظّمته تجسيدا ، بل كبر شأنا ، و عظم سلطانا .
و بمقابل النهاية ذكر اللانهاية ، و هذه تأتي بمعان عديدة مثلا ، بلا عدد ، لا يحصى ، التعداد الكثير ، الأزل الخ . فقد ورد تعبير لا بعدد في الخطبة السابقة بقوله : مستشهد الأشياء على أزليته ، و بما وسمها به من العجز على قدرته ، و بما اضطرها إليه من الفناء على دوامه ، واحد لا بعدد ، و دائم لا بأمد و قائم لا بعمد .
و جاء تعبير لا يحصى في كلامه لمّا عزم على لقاء القوم بصفّين : و رب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام ، و مدرجا للهوام و الأنعام ، و ما يحصى مما يرى و ما لا يرى .
أما التعداد الكثير الذي يعنى اللانهاية ، فقد جاء ذكره في خطبة الأشباح أيضاً بقوله : اللّهم ! أنت أهل الوصف الجميل ، و التعداد الكثير ، إن تؤمل فخير مؤمل ، و إن ترج فأكرم مرجو .
ثانياً ـ مسائل حسابية :
من الأدلة الاُخرى على عبقرية الإمام علي ( عليه السلام ) ، هي حله لمسائل حسابية معقدة بسرعة و دقة . . . و لا عجب في ذلك فهو الذي يقول على ملأ من الناس : " سلوني قبل أن تفقدوني " . و في هذا المقام يقول عباس محمود العقاد عن الإمام ( عليه السلام ) : و في أخباره ، مما يدل على علمه بأدوات الفقه كعلمه بنصوصه و أحكامه . و من هذه الأدوات علم الحساب الذي كانت معرفته به أكثر من معرفة فقيه يتصرف في معضلة المواريث ، لأنه كان سريع الفطنة إلى حيله التي كانت تعدّ في ذلك الزمن ألغازاً تكدّ في حلها العقول . و سنذكر بعض المسائل المشهورة التي قام بحلها ، مما يدل على تضلعه بعلم الحساب آنذاك .
و من هذه المسائل المسألة المنبرية و المسألة الدينارية و قصة الأرغفة و غيرها .
المسألة المنبرية :
و خلاصة هذه المسألة أن الإمام عليّاً ( عليه السلام ) سُئل و هو على المنبر عن ميّت ترك بنتين و أبوين و زوجة ، فأجاب من فوره : صار ثمنها تسعا . و سميت هذه المسألة بالمسألة المنبرية لأنه أفتى بها و هو على منبر الكوفة .
و الفريضة هنا ( أي المال الذي تركه الميت ) هي أربعة و عشرون ، للزوجة ثمنها ( أي ثلاثة ) و للأبوين ثلثها ( أي ثمانية ) و للبنتين الثلثان ( أي ستة عشر ) . فضاق المال عن السهام ( أي نقص المال عن الحصص المفروضة ) ، لأن الثلث و الثلثين تم بهما المال فمن أين يؤخذ الثمن . فإذا جمعنا الثلاثة و الثمانية و أنقصناها من المال لكان الباقي ثلاثة عشر للبنتين نقص من سهمهما ثلاثة . و يبدو أن ثمة حلين لهذه المسألة . و هي إما استخدام العول أو عدم استخدامه . ( و العول هنا كما جاء في مختار الصحاح . عالت الفريضة ، ارتفعت و هو أن تزيد سهاما فيدخل النقصان على أهل الفرائض ) .
فالعول هو إدخال النقص عند ضيق المال عن السهام المفروضة على جميع الورثة بنسبة سهامهم . لهذا فإن النقص هنا هو ثلاثة فيدخل على الجميع فيزاد على الأربعة و العشرين ثلاثة تصير سبعة و عشرين للزوجة منها ثلاثة و للأبوين ثمانية و للبنتين ستة عشر . و الثلاثة هي تسع السبع و العشرين ، فهذا معنى قوله صار ثمنها تسعا . و إما من نفى العول قال أن النقص يدخل على البنتين .
المسألة الدينارية :
يقال : إن امرأة جاءت إلى الإمام ، و شكت إليه أن أخاها مات عن ستمائة دينار ، و لم يقسم لها من ميراثه غير دينار واحد . فقال لها : لعله ترك زوجة و ابنتين و أماً و اثني عشر أخا و أنت ؟ فكان كما قال . و هنا تتجلى قوة علمه و حدسه فبمجرد أن علم بحصتها فقد استنتج عدد أفراد العائلة ، و ليس فقط ذلك ، بل العلاقة فيما بينهم و جنسهم و حصة كل منهم . حيث أن هذه المرأة كانت تتوقع أن أخاها قد ظلمها لذا طلبت الإنصاف و أخذ حقها . لذلك قال لها خلّف أخوك بنتين لهما الثلثان أربعمائة ( أي ثلثي الستمائة هو أربعمائة ) . و خلّف أُماً لها السدس ، مائة ( أي سدسي الستمائة هو مائة ) ، و خلّف زوجة لها الثمن ، خمسة و سبعون ( أي ثمن الستمائة هو خمسة و سبعون ) . و خلّف معك اثني عشر أخاً لكلِّ أخ ديناران و لكِ دينار قالت نعم . فلذلك سُميت هذه المسألة بالدينارية [40] . و لذلك لو جمعنا هذه الحصص لكان مجموعها ستمائة و هو المبلغ الأصلي .
قصة الأرغفة :
جلس رجلان يتغذيان ، مع أحدهما خمسة أرغفة و مع الآخر ثلاثة أرغفة ، فلما وضعا الغذاء ، بين أيديهما مر بهما رجل ، فجلس و أكل معهما و استوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية ، فقام الرجل و طرح إليهما ثمانية دراهم ، فتنازعا بينهما و ارتفعا إلى الإمام علي ( عليه السلام ) فقصّا عليه قصتهما ، فحكم لصاحب الثلاثة أرغفة درهماً واحداً ، و لصاحب الخمسة أرغفة سبعة دراهم ، لأن الأرغفة الثمانية أربعة و عشرون ثلثاً ، لصاحب الثلاثة أرغفة منها تسعة أثلاث ( لأن له ثلاثة أرغفة و كل رغيف ثلاثة أثلاث فيكون المجموع تسعة أثلاث ) ، أكل منها ثمانية ( لأن هناك أربعة و عشرين ثلثاً أكلها الثلاثة بالتساوي فكل واحد منهما أكل ثمانية ) و أكل الضيف واحداً منها ، و لصاحب الخمسة أرغفة منها خمسة عشر ثلثاً ( لأن له خمسة أرغفة و كل رغيف ثلاثة أثلاث فيكون المجموع خمسة عشر ثلثا ) أكل منها ثمانية و أكل الضيف سبعة . أي أن كلاًّ من الثلاثة أكل ثمانية أثلاث . فالأول أعطى للضيف ثلثا واحدا و الثاني أعطاه سبعة أثلاث ( و المجموع ثمانية أثلاث ) . و بما أن الضيف قد دفع لهم ثمانية دراهم ، أي قيمة كل ثلث هو درهم واحد ، و أنه قد أكل ثلثا واحدا من الشخص الأول ، لذا تكون حصة هذا الشخص درهما واحدا . و كذلك أكل من الثاني سبعة أثلاث لذا تكون حصته سبعة دراهم .
مسألة التي ولدت لستة أشهر :
روي أن عمر أتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهمّ برجمها فقال له الإمام علي ( عليه السلام ) : إن خاصمتك بكتاب اللّه خصمتك إن اللّه تعالى يقول : ﴿ ... وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ... ﴾ و يقول جلّ تعالى : ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ... ﴾ فإذا كانت مدة الرضاعة حولين كاملين ( أي أربعة و عشرين شهرا ) و كان حمله و فصاله ثلاثين شهرا ، فالحمل فيها ستة أشهر ، فخلّى عمر سبيل المرأة و ثبت الحكم لذلك فعمل به الصحابة و التابعون و من أخذ عنهم إلى يومنا هذا .
قصة الزُبية :
يقال : إنه رُفع للإمام علي ( عليه السلام ) و هو باليمن زُبية ( و هي حفرة تحفر للأسد سميت بذلك لأنهم كانوا يحفرونها في موضع عال ) حفرت للأسد فوقع فيها ، فوقف على شفير الزبية رجل فزلت قدمه فتعلق بآخر و تعلق الآخر بثالث و تعلق الثالث برابع فافترسهم الأسد . فقضى ( الإمام ) أن الأول فريسة الأسد و على أهله ثلث الدية للثاني ، و على أهل الثاني ثلثا الدية للثالث ، و على أهل الثالث الدية الكاملة للرابع . فبلغ ذلك رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله ) فقال : لقد قضى أبو الحسن فيهم بقضاء اللّه عَزَّ و جَلَّ فوق عرشه .
و رويت هذه الحادثة بصور اُخرى و هي أن الزبية لما وقع فيها الأسد أصبح الناس ينظرون إليه و يتزاحمون و يتدافعون حول الزبية فسقط فيها رجل و تعلق بالذي يليه و تعلق الآخر بالآخر حتى وقع فيها أربعة فقتلهم الأسد . فأمرهم أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) أن يجمعوا ديّة تامة من القبائل الذين شهدوا الزبية و نصف دية و ثلث دية و ربع دية ، فأعطى أهل الأول ربع دية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة ، و أعطى أهل الثاني ثلث الدية من أجل أنه هلك فوقه اثنان و أعطى أهل الثالث النصف من أجل أنه هلك فوقه واحد ، و أعطى أهل الرابع الديّة تامة لأنه لم يهلك فوقه أحد فأخبروا رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله ) فقال : هو كما قضى .
و الظاهر أنهما واقعتان ، ففي الرواية الاُولى أن الأول زلّت قدمه فوقع ولم يرمه أحد ، و في الرواية الثانية أن المجتمعين تزاحموا و تدافعوا فيكون سقوط الأول بسببهم و لذلك اختلف الحكم فيها .
ثلاثة رجال يختصمون :
عن شرح بديعة بن المقري أنه جاء إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثلاثة رجال يختصمون في سبعة عشر بعيراً . أولهم يدعي نصفها و ثانيهم ثلثها ، و ثالثهم تُسعها . فاحتاروا في قسمتها ، لأن في ذلك سيكون كسراً ( أي جزء من بعير ) . فقال ( عليه السلام ) : أترضون أن أضع بعيراً مني فوقها و أقسّمها بينكم ، قالوا : نعم ، فوضع ( عليه السلام ) بعيراً بين الجمال ، فصارت ثمانية عشر ، فأعطى الأول نصفها و هو تسعة ، و أعطى الثاني ثلثها و هو ستة ، و أعطى الثالث تسعها و هو اثنان و بقي بعير له .
ثالثاً ـ الشعر المنسوب للإمام ( عليه السلام ) :
وردت تعبيرات تخص الحساب ، كالأعداد و الكسور و غيرها في الشعر المنسوب للإمام ( عليه السلام ) ، سنذكر بعضاً منها : فقد جاء ذكر الألف في شعر له ، حيث يقول :
عليك بإخوان الصفاء ، فإنهم *** عماد إذا استنجدتهم و ظهور
و ليس كثيراً ألف خل و صاحب *** و إن عدوا واحدا لكثير
كما ذكر العدد سبعين ألفا في شعر له أيضا :
لأصبحن العاصي ابن العاصي *** سبعين ألفا عاقدي النواصي
مجنبين الخيل بالقلاص *** مستحلقين حلق ألدلاص
و في حسبة العمر يقول ، و قد ذكر العدد ستين و النصف و الثلث :
إذا عاش الفتى ستين عاما *** فنصف العمر تمحقه الليالي
و نصف النصف يذهب ليس يدري *** لغفلته يمينا من شمال
و ثلث النصف آمال و حرص*** و شغل بالمكاسب و العيال
فحب المرء طول العمر جهل *** و قسمته على هذا المنال
الخاتمة :
في ضوء إجابات المسائل السابقة و غيرها ، برهان ساطع على علم الإمام المحيط و حضوره لديه فيما يجعله حجة على الخلق في جميع العلوم و الفنون ، خصوصاً إذا قسنا ذلك إلى عصر الإمام و الثقافة العلمية المحدودة لناس آنذاك ، و في ذلك يقول عباس محمود العقاد : و لكن هذه الفنون من الثقافة ـ أو جلها ـ إنما تعظم بالقياس إلى عصرها و الجهود التي بذلت في بدايتها .
و يقول أيضاً : و خلاصة ذلك كله أن ثقافة الإمام ( عليه السلام ) هي ثقافة العلم المفرد و القمة العالية بين الجماهير في كل مقام . من ذلك يمكن القول إن الإمام ( عليه السلام ) يعد أول من عمل في علم المواريث ، كما جاءت في القرآن الكريم ، و أول من قام بحل المسائل الحسابية في صدر الإسلام ، كما يعد أول من تمكن من الفكر الموسوعي الذي يجمع أكبر عدد من فروع المعرفة المختلفة . و لكن من الغريب ، ـ حسب ما لاحظنا ـ أن غالبية كتب تاريخ الرياضيات لم تذكر ذلك ، و هذا أمر يوسف له ، لذلك لابد من إجراء المزيد من البحوث و الدراسات لهذه الحقبة الهامة من التاريخ الإسلامي .
بحث علمي شيق للاستاذ
أحمد محمد جواد محسن
0 تعليقات على " علم الحساب عند الإمام علي عليه السلام "